fbpx

الفصل رقم ٢٣: سورة الكهف: رحلة الوصول للمثالية

الفصل رقم ٢٣: سورة الكهف: رحلة الوصول للمثالية

الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠١٣ – الساعة ٢:١٥ ص – شاطئ السيارات

 

خلصت قراءة الفاتحة. الجو برد جداً، تلج، قفلت الjacket لأخره وغمضت عينيا.

 

الجاكت كان ralph lauren، لونه أسود، والpony برضه لونه أسود راكب عليه فارس مجهول.. شخصية من شخصياتي. هيئته كانت كأنه كان منطلق بحصانه بكل سرعة بأتجاه هدفه، بس حصلت حاجة خلته يهدي، ومن ساعتها اتحجر في مكانه، لكن لما قرأت سورة الفاتحة بتدبر لقيت الحياة رجعت فيه تاني.. الحصان فرح جداً وأتحول لونه أبيض، وطلعله جناحات ففردها وطار فوق مملكة الملك الصالح “ذو القرنين”، وبدأت أحكيله قصص سورة الكهف..

 

ياما قريت وسمعت في تفاسير ومعاني سورة الكهف، لكن المرة دي لما تأملت في السورة من فوق وأنا طاير في السما شفت معاني جديدة وجت لي عنها خواطر خلتني أفهمها وأفهم الصراط المستقيم أكتر من أي مرة فاتت.

 

سورة الكهف بتحكي خمس قصص، كل قصة بتبين لينا نوع من الشخصيات اللي المؤمن هيقابلها على الصراط المستقيم وإزاي يتعامل معاها عشان يوصل للمثالية، وأنا لما تدبرتها لقيت مغزى في منتهى الحكمة من ترتيب ربنا للقصص دي. لاحظت أن القصص بترتيبها بتكون قصة كبيرة، وبترسم لنا بمنتهى الوضوح خريطة للمحطات اللي المؤمن هيعدي بيها لما يقرر أنه يمشي في الصراط المستقيم.

 

الخريطة خمس محطات، كل قصة محطة. في كل محطة المؤمن بيواجه شخصية من نوع معين. كل محطة هي اختبار في شكل فتنة، إذا نجحنا فيه نروح المحطة اللي بعدها. طبعاً في مؤمنين تانيين معاك على الطريق، بيساعدوك وتساعدهم، وينافسوك وتنافسهم، والأحسن هو اللي بيوصل للمثالية.

 

قال تعالى:

إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ، وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا – الكهف/٧-٨

 

عارفين لعبة monopoly وبنك الحظ؟ أهو أنا حسيت أن سورة الكهف رسمت ليا الصراط المستقيم بنفس الفكرة، ولقيت أن اللي يعدي بالخمس محطات دي ربنا هيمكّن ليه في الدنيا فيحرر البلاد والعباد، زي الملك الصالح المثالي ذو القرنين، وطبعاً بعد ما اللعبة بتخلص بنفركشها، ونرجع لحياتنا الحقيقية، الدار الآخرة.

 

أول عشر آيات من سورة الكهف هي مفتاح فهم السورة وبتمهد لقصة أصحاب الكهف، اللي هيا أول قصة من الخمس قصص وأول مرحلة في رحلة الوصول للمثالية. وزي ما سورة الفاتحة بتختصر القرآن كله برضه أول ١٠ آيات من سورة الكهف بتختصر السورة كلها، أظن عشان كدة النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال”، لأن الدجال هيجي معاه كل الفتن اللي ربنا علمنا سبيل النجاة منها في سورة الكهف.

 

سبنا مملكة ذو القرنين ورجعت مع حصاني لبداية القصة وبدأنا نشوف المراحل اللي لازم نعدي بيها عشان نوصل للمثالية بتاعة ذو القرنين، وكانت أول مرحلة هيا مرحلة “دخول الكهف”..

 

قصة أصحاب الكهف بتتكلم عن المحطة اللي بيبدأ منها المؤمن رحلته، مرحلة الاستضعاف، وبتعلمنا عن فتنة السلطان، لأن فيها المؤمن بيقابل أول شخصية، “سلطان غير مؤمن”.

 

غير مؤمن يعني ممكن يكون مسلم بس جاهل او غافل، وممكن يكون غير مسلم من المغضوب عليهم او الضالين، وسلطان يعني حد أقوى منه وليه غلبة عليه، مادياً او معنوياً، زي مثلاً أحد والديه او مديره في الشغل، او زي حال المسلمين في مكة قبل الهجرة، او زي المثال الextreme بتاع قصة أصحاب الكهف، كل أهل القرية.

 

قصة أصحاب الكهف بأختصار هي أن كان في قرية بيحكمها ملك جبار عنيد اسمه “دقيانوس”. وكان أهل القرية دي بيعبدوا آلهة مع ربنا وبيعتبروها آلهة وسيطة بينهم وبين ربنا سبحانه وتعالى. وفي يوم العيد بتاعهم زي كل سنة كانوا عاملين احتفال للألهة دي وبيشكروها بالسجود والمدح والذبح وتقديم القرابين، عشان كدة في ظنهم – حسب عقيدتهم اللي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم – ربنا هيرضى عنهم.

 

وكان في القرية مجموعة شباب أصحاب من عائلات غنية ونسبها لملوك الروم، ولكن النعيم اللي كانوا فيه ممنعهمش أنهم يتفكروا في الكون والحياة فتوصلوا بفطرتهم إلى أن الكون فيه إله واحد وأنه مستحيل يكون في ألهة وسيطة بينه وبين عباده، مهما كانت المبررات.

 

وفي يوم العيد وسط الاحتفال قام الشباب لأول مرة يعلنوا عن إيمانهم وتوحيدهم لله، وقالوا وسط كل أهل القرية “رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا”، فغضب الملك والقوم وبدؤا يسيئوا ليهم ويؤذوهم وقرروا يرجموهم، ولكن لأنهم من عائلات ملكية قرر الملك أنه يديهم مهلة يفكروا قبل ما يقتلوهم. خلال المهلة دي أجتمع الشباب، وتشاوروا، وقرروا يهربوا للكهف..

 

راح الشباب الكهف فربنا نيمهم ٣٠٠ سنة، خلالها مات الملك الظالم دقيانوس وحكم القرية ملك تاني كان فيه خير خلال فترة حكمه ربنا أرسل سيدنا عيسى عليه السلام نبي بعقيدة التوحيد فبعت تلميذ من تلاميذه الحواريين اسمه “يحنس” لقرية أصحاب الكهف عشان يدعوهم للتوحيد. آمن الملك اللي فيه خير ودعا أهل القرية للاستجابة لرسالة عيسى عليه السلام، فاستجابوا وآمنوا بأن الله واحد وأنه مفيش آلهة وسطاء بينه وبين عباده، وصحي أصحاب الكهف من نومهم لقوا أهل القرية كلهم بقوا مؤمنين موحدين، وعرف أهل القرية أصحاب الكهف من شكلهم ولبسهم وفلوسهم لأن أجدادهم كانوا بيحكولهم عن قصتهم، ففرحوا بيهم جداً وكرّمهم الملك الصالح، فسعدوا وماتوا..

 

نهاية سعيدة لقصة عجيبة، فعلاً عجيبة بمقاييس البشر، لكنها مش عجيبة وسط آيات ومعجزات ربنا لأنه علمنا أنه دايماً بينصر عباده المؤمنين بمعجزات أعجب من كدة بكتير..

 

اتعلمت من القصة أن أهم شيء في حياة المؤمن أنه يحافظ على دينه وعقيدته حتى لو هيضحي بكل النعيم في حياته ويعيش ويموت في كهف. واتعلمت أن أول مرحلة من مراحل الوصول للمثالية هي مرحلة الاستضعاف، وأن سبيل الثبات والنجاة من فتنة السلطان غير المؤمن هو التمسك بالصحبة الصالحة ودعوة غير المؤمنين، ولو اشتدت الفتنة يبقى الحل الاعتزال وإعداد النفس، ولو اشتدت أكثر يكون بالهجرة، طبعاً الكلام دا ليه ضوابط ومحتاج تفصيل وشرح عشان ميتفهمش غلط فيتسبب في تفكك المجتمع.

 

دلوقتي بس فهمت اللي حصلي بعد ما ألتزمت دينياً سنة ٢٠٠٩، ساعتها اتعرضت لفتن كتير جداً من نوع فتنة السلطان؛ الحاجات اللي كانت أكبر مني وليها غلبة وسلطان عليا.

 

حاولت أغير الحاجات دي معرفتش، كان إيماني ضعيف وعلمي قليل. حاولت أقاومها لكن برضه فشلت، كانت أقوى مني. خوفي على ديني خلاني بفطرتي عملت زي الشباب أصحاب الكهف، هاجرت من حياتي القديمة بكل ما فيها وعشت في كهف جوايا لفترة طويلة جداً خلالها كنت بمارس حياتي ولكن في صمت شبه منعزل عن الناس، وبعد ما كنت في أول ٦ شهور ألتزام بلف مارينا والرحاب وأخد كوبري أكتوبر بالعربية أعمل beach و street da’wah بطلت أتكلم مع حد غير ملتزم عن الحلال والحرام لأن النقاش مع ناس عاشت حياتها سنين بمبادئ ومفاهيم غلط كان بيستهلكني وبيجيب نتيجة عكسية عليا تخليني أخسر إيماني وأتفتن لدرجة أني أغلط وأشوه صورة التدين والإلتزام. أكتفيت بما يسميه العلماء الدعوة بالسمت، يعني بالأخلاق والتصرفات، فعدت عليا سنة كاملة مبتكلمش في اليوم غير كلمات محدودة مع الناس اللي حوليا لدرحة أني من انطوائيتي لساني حصل فيه لدغة، وأصبح كل تركيزي هو أني أجتهد أني أبني لنفسي إيمان وعلم أقدر أرجع أواجه بيه الفتن اللي أنا هربان منها وأعرف أكلم بيه الناس اللي مختلف معاهم فقهياً.

 

رغم أن الفترة دي كانت من أصعب فترات حياتي إلا أني مش ندمان عليها، مش عيب ولا جبن أن الواحد يحتمي بالكهف لو حس أنه مش هيقدر يقاوم الفتن، بالعكس دي حكمة وعبادة ربنا علمهلنا في سورة الكهف وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة من مكة للمدينة، لأن دخول الكهف هو أول مرحلة من مراحل الوصول للمثالية وتغيير العالم.

 

لكن زي ما اتعلمنا في سورة الكهف، ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، لازم المؤمن بمجرد ما يبقى جاهز للمواجهة يخرج من الكهف ويرجع تاني لمجتمعه ويحتك بيه ويكون إيجابي ومؤثر، وينقل ليهم الحق اللي عرفه، لأن لو المؤمن فضل قاعد جوه الكهف وهو مؤهل للخروج فكدة هو مقصر في حق ربنا وحق نفسه وحق مجتمعه، عشان كدة بعد الفترة دي خرجت من كهفي تاني ورجعت بالتدريج أحتك بالمجتمع من جديد، وبدأت المرحلة التانية في رحلة الوصول للمثالية.

 

شفت بعد الكهف نهر طويل وحواليه مساحة خضراء واسعة وجميلة جداً، من صغري بحب الأشجار والأزهار، نزلت بحصاني أتفرج عليها فشفت أحداث قصة صاحب الجنتين..

 

قصة صاحب الجنتين أحداثها بتحصل في المحطة الثانية من الخمس محطات اللي بتوصل للمثالية، مرحلة التوافق بين المؤمن وغير المؤمن في السلطان. في المحطة دي بتروح دواعي الهجرة من المجتمع، سواء لأن المؤمن اجتهد في إعداد نفسه في المهجر وبقى اقوى، مادياً او معنوياً، او لأن مجتمعه بقى أقل أضطهاداً وتعصباً. ساعتها بيخرج المؤمن من كهفه وبيرجع تاني يحتك بالحياة ويقرب للناس بالتدريج، وبيخرج من مرحلة الإعتزال وبيدخل في مرحلة الدعوة والتوافق والتعايش.

 

قصة صاحب الجنتين بتعلمنا عن فتنة الحياة الدنيا، خصوصاً المال والبنون، وفيها بيقابل المؤمن شخص غير مؤمن أعلى منه في الدنيا ولكن في نفس الوقت ملوش سلطان عليه، زي لما مثلاً أخ مستواه الأجتماعي بسيط يقابل أخوه الغني فيتكبر عليه، او لما شاب عادي يتعرض لسخرية شاب لبسه او عربيته او عيلته أجمد منه، او لما بنت مؤدبة ومحترمة تقابل الpink girls بتوع جامعتها فيسخروا منها.. او زي العلاقة بين المسلمين والمنافقين في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، او زي ما في المثال البسيط الextreme الواضح اللي ربنا قال لنا عليه في قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف.

 

اتنين أصحاب، الأول غني ومن عيلة كبيرة، عنده جنتين، يعني بستانين، قطعتين أرض. الجنتين كانوا في منتهى الوسع ومليانين أجمل أنواع الأشجار والأزهار وكان عنده أولاد كتير، او بالتعبير بتاع زمان “عنده عزوة”، يعني ولاده ساندينه، فبيقابل صاحبه البسيط الغلبان فيبدأ يتفاخر بممتلكاته وأولاده ويسخر منه وحبه للدنيا بيزيد في قلبه لدرجة أنه بيوصل لمستوى الشرك بالله. المؤمن بيحذره لكنه مبيستجبش، فبتنتهي القصة بأن ربنا بياخد من المتكبر النعمة اللي أداهاله فبيندم ويتوب.

 

فأنا اتعلمت أن سبيل الثبات والنجاة من فتنة الدنيا هو أني لما أشوف الخير مع حد غيري أقول: “ما شاء الله، لا قوة إلا بالله” عشان أفكر نفسي أن ربنا هو القوي المتحكم مش حد من عباده، وأنه هو اللي بيوزع الرزق بحكمته فيطمأن قلبي. واتعلمت كمان أن لو حد سخر مني أبقى large وأتغافل عن سخريته كأني مسمعتهاش، وأني لما أشوف الناس بتعتز بممتلكاتها اللي مش عندي أعتز باختيار ربنا ليا وأفكره أن الرزق دا من فضل ربنا عليه ادهوله عشان يختبره بيه، وأفكره كمان أن الدنيا مجرد معبر للجنة والنار فاللي هيحسن أستخدام نعم الدنيا ربنا هيديله زيها في الآخرة ولكن اللي هيسيء استخدامها ربنا هياخدها منه ويحرمه منها في الآخرة.

 

وزي مإحنا لما بنخلص game المونوبولي بنفركش اللعبة ونرجع الفلوس الملونة وتضيع مننا ملكية الأراضي اللي أشتريناها ونرجع لحياتنا الحقيقية برضه يوم القيامة كل الدنيا هتتفركش والتعامل بالفلوس هينتهي واللي كان عنده أراضي وممتلكات هيخسرها، وهنرجع لحياتنا الحقيقية، الدار الآخرة، بس الفرق بين لعبة مونوبولي ولعبة الدنيا هي أننا مفيش حد بيحاسبنا على أدائنا في game المونوبولي..

 

قال تعالى:

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ – المزارعين – نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ – الحديد/٢٠

 

وأنا بعد ما خرجت من كهفي في سنة ٢٠١٠ كنت مبهدل جداً، مبقتش بهتم بمظهري وعملي واجتماعياتي زي زمان قبل الالتزام، وبعد ما كنت من أشيك الناس في مجتمعي وأعلاهم برستيجاً، بقيت في نظرهم loser. طبعاً دا كان غلط مني، المؤمن المثالي لازم يفرق كويس جداً بين طبيعة الحياة في الكهف وطبيعة الحياة في المدينة، لكن الضغوط اللي كانت عليا في مرحلة الكهف نستني كتير من الحاجات اللي كنت متميز فيها دنياوياً. طبعاً مع الوقت رجعت أهتم بمظهري تاني، لكن باتزان بدون مبالغة زي زمان.

 

وأنا بتأمل في صاحب الجنتين وهو ندمان على ذنبه وبتأمل في تعليق ربنا على القصة دي اتفاجأت أن القصة التالتة في سورة الكهف عدت عليا. كنت دايماً بقرأ أن سورة الكهف فيها أربع قصص؛ قصة أصحاب الكهف، قصة صاحب الجنتين، قصة موسى والخضر عليهما السلام، وأخيراً قصة ذي القرنين، لكني لما بصيت على السورة من فوق لقيت قصة خامسة في نص الطريق بين الكهف وبين مملكة ذي القرنين. قصة قصيرة جداً في آية واحدة ولكنها بجد محورية وفكرة السورة متكملش من غيرها، قصة تعتبر تلخيص للحياة كلها، عاملة زي الdemo اللي بيكون في الأجهزة الكهربائية عشان نفهم المنتج قبل ما نشتريه. برضه ربنا قبل نزول آدم على الأرض عمل demo، بسيط جداً وto the point، خلاصته هو أن كل اللي ربنا عايزه مننا هو أننا لما نعصيه نتوب، ودا نصف الطريق للمثالية. سبب كل معصية بنعملها هي أننا بننسى القصة دي، عشان كدة سمتها بيني وبين نفسي “قصة النسيان”. قصة نسيان آدم عليه السلام.

 

قال تعالى:

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ، أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا – الكهف/٥٠

 

وقال:

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا – طه/١١٥

 

ورغم أني قرأت وسمعت سورة الكهف عشرات المرات بس دي كانت أول مرة ألاحظ فيها قصة النسيان، لأنها آية واحدة. أكيد عدم ملاحظتي للقصة دي ليه علاقة كبيرة جداً بأني كل شوية أخرج عن الصراط المستقيم، حتى بعد ما التزمت. ما دامت دي المرحلة الثالثة للوصول للمثالية فأكيد ليها علاقة بأني بقالي سنين قبل الالتزام وبعد الالتزام مش عارف أبقى مثالي. 

 

نزلت من على حصاني وأخدته نتمشى على شاطئ البحر، وهناك شفت قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح رضي الله عنهما.

 

قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح، الخَضْر بتحكيلنا عن المرحلة الرابعة في رحلة الوصول للمثالية، مرحلة إتمام البناء، او الPerfecting. فيها بيكون المؤمن خلاص بقى متميز بس لسة مبقاش مثالي، فربنا بيخليه يسعى في الأرض يدور على الناس اللي أعلى منه في جميع المجالات عشان يتعلم منهم ويبقى رقم ١ في كل شيء، زي مثلاً ما الشيف الفنان بعد ما بيخلص الblack forest ويذوقها ب crème chantilly بيحط على قمتها كريزة حمراء عشان تبقى perfect.

 

قصة موسى والخضر عليهما السلام بتعلمنا عن فتنة التميز، التميز الحقيقي بمعاير الآخرة مش التميز الوهمي في الدنيا زي ما في قصة صاحب الجنتين، وربنا ضرب لنا المثال بالتميز في “العلم” لأنه أعظم شيء في الحياة، فالتميز في أعظم شيء فتنة عظيمة و اختبار صعب، واللي ينجح فيه يوصل للمرحلة الخامسة والأخيرة.

 

موسى عليه السلام كان متميز في العلم لدرجة أنه أفتكر أن هو أعلم أهل الأرض، فربنا عشان يعلمه يتغلب على فتنة التميز قبل ما ينقله للمرحلة الأخيرة أمره أنه يطلب العلم على إيد أعلم أهل الأرض ساعتها، سيدنا “الخضر” عليه السلام. من هنا يوضح لينا جداً أن سبيل الثبات والنجاة من فتنة التميز هو أننا نفضل ندور عن حد متميز أكتر مننا ونتعلم منه عشان منتفتنش أبداً بتميزنا.

 

اتعلمت من القصة أن الأمور مش دايماً زي مإحنا شايفينها وأن العلم بيغير رؤيتنا لكل شيء، وكل ما يزيد علمنا كل ما نشوف حقيقة الأمور وكل ما يكون علمنا قليل كل ما نشوف الأمور غلط، بل يمكن بشكل عكسي، وأن العلم مع إخلاص التوحيد لربنا سبحانه وتعالى هو مفتاح فهم الدنيا والآخرة والنجاة من كل الفتن، وأعظمها فتنة الدجال.

 

كمان اتعلمت أن ربنا هو مصدر كل تميز، وأهمه العلم، وأنه سبحانه بيوهب التميز لعباده الصالحين بدرجات مختلفة حسب إحسانهم في الحياة على الأرض، زي ما وضح لنا في أول ١٠ أيات “إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا”، والأحسن عملاً هو دا اللي ربنا بيختاره للمثالية.

 

وفي نهاية قصة موسى والعبد الصالح لقيت باب مكتوب عليه “الصبر”، جواه ممر طويل جداً في شدة الظلام لكن نهايته مخرج ظاهر منه نور الشمس الأبيض الجميل. فضلت أمشي باتجاه النور لحد ما وصلت لمخرج الممر، طلعت للنور لقيت نفسي على هضبة بتطل على مملكة الملك الصالح ذو القرنين، ركبت حصاني ففرد جنحاته وطار يفرجني على أكتر قصة بحبها في سورة الكهف.. قصة ذو القرنين..

 

قصة ذو القرنين هي قصة أشبه بالخيال، والجميل أنها حقيقية. قصة مليانة معاني، كل حدث فيها ليه رمزية. قصة كلها extremes والرائع أنها، بكل تفاصيلها التي يستعجب لها العقل، حصلت.

 

ذو القرنين؛ ملك عادل، رحالة مسافر، عالم ومفكر ومجاهد، قائد وحكيم، إيجابي ومبدع، نموذج معجّز للمؤمن المثالي. قصة ذو القرنين بتتكلم عن المرحلة الأخيرة والفتنة الأخيرة على الصراط المستقيم في الدنيا، السلطان والتمكين. فيها المؤمن بيكون وصل بتوفيق ربنا للمثالية وربنا بيكون اداله كل أسباب السلطة والقوة والغلبة المادية والمعنوية، وبيبعتله ناس أقل وأضعف منه وبيشوفه هيتصرف إزاي معاهم.

 

اتعلمت من قصة ذو القرنين أن سبيل النجاة من فتنة التمكين هو أن المؤمن يأخذ بالأسباب اللي ربنا اداهاله، يعني يستخدم وسائل السلطة المادية والمعنوية في الدعوة إلى الله، بالمعنى الشمولي مش بس الوعظ، وكان من الأمثلة على كدة أن الملك الصالح ذو القرنين كان، زي ما اتعلم من صفات ربنا، عادل، بيعاقب المسئ ويكافئ المحسن، وكان خدوم وبيساعد الضعفاء بدون مقابل مادي، وكان بيهتم بالتعليم حتى أنه علم أهل قرية جهلة وبسطاء إزاي يبنوا سد يحميهم من يأجوج ومأجوج، وشارك بنفسه في البناء، وفي النهاية خالص آخر حاجة بيقول الوعظ بمنتهى البلاغة وبينسب الفضل لربنا مع التذكير برحمته والتحذير من أهوال يوم القيامة؛ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا – الكهف/٩٨

 

 

طبعاً السورة بتطرح مراحل الوصول للمثالية كفكرة مبسطة جداً بقصص extreme اوي من عصور كانت الحياة لسة بسيطة عشان تكون واضحة لينا ونفهمها، ولكن في واقع الحياة السريعة المعاصرة المحطات دي ممكن نعدي بيها كلها في ساعة واحدة، ولما ربنا يوفقنا ونعدي الفتن كلها نرجع نعيدها من الأول تاني بس على مستوى أعلى، ونفضل كدة ساعة ورا ساعة ويوم ورا يوم، وسنة ورا سنة، ولو فضلنا نحسن في الحياة الدنيا أكيد في يوم هنوصل للمثالية.

 

خلصت رحلتي في سورة الكهف وشفت رحلة المؤمن من الأستضعاف للتمكين، وبعد التمكين بيكون الموت والجنة. نفسي أخد الحصان اللي بيطير وأروح مملكة النسيان أنقذ بنت السلطان، بس للأسف بعدت اوي بخيالي، لازم أرجع تاني أكمل الصلاة. لفيت بحصاني ورجعنا على شاطئ السيارات.

 

وأنا راجع شفت الخمس قصص بتتلخص تاني في أخر ١٠ أيات من سورة الكهف وبتأكد للمرة الثالثة على المعنى الأساسي للسورة، أن الدنيا هي جسر للآخرة وأنها أختبار من ربنا لينا مين أحسن من مين، وأن اللي يعيشها لغير كدة يبقى هو اللي loser.

 

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا – الكهف/١٠٣-١٠٤

 

وصلت شاطئ السيارات، شفته كأنه صحراء وأنا واقف فيها فافتكرت صاحب الجنتين وإزاي بسبب ذنبه الجنتين بتوعه اتحولوا صحراء، افتكرت ذنبي يوم الثلاثاء وأد إيه عطلني في رحلة الوصول للمثالية وبسببه خسرت أهم نعم الدنيا.

 

افتكرت صاحب الجنتين لما ندم وتاب وقال: “يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا”، عجيب موقفه في التحول من الشرك للإيمان، كذلك عجيب حالي، بقالي سنين بعصي ربنا وأتوب، وأرجع أعصيه تاني، كل ده بسبب نسياني القصة المحورية اللي بتربط بين قصة صاحب الجنتين وقصة موسى والعبد الصالح.

 

تذكرت قول الله تعالى:

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

 

نزلت بأحلامي من السماء. ركنت الحصان وسجدت لربنا ودعيته أنه يغفر لي ويصلح حالي ويحقق أحلامي..

 

 


“هدي مدة طويلة

وأنا نحوس أنا وعلى غزالتي

 

I dream of rain

I dream of gardens in the desert sand

I wake in pain

I dream of love as time runs through my hand

 

I dream of fire

Those dreams are tied to a horse that will never tire

And in the flames 

Her shadows play in the shape of a man’s desire

 

Sweet desert rose

This memory of Eden haunts us all

This desert flower, this rare perfume

Is the sweet intoxication of the fall”

 

— Sting feat Cheb Mami, Desert Rose

 

My name is Amr Ali Ibrahim. I'm an Egyptian dentist, digital marketer, and novelist from Cairo, born in 1986 and graduated from ASU Dental School in 2009. The novel "مارينا.. كان يا مكان" is considered my first published print book, and I have some other works that are not published as prints yet, however, I've published them on this website.

“From day to day, my journey, the long pilgrimage before me. From night to night, my journey, the stories that will never be again. No day, no night, no moment can hold me back from trying. One flag, one fall, one falter, I’ll find my day maybe Far and away. One day, one night, one moment, with a dream to believe in. One step, one fall, one falter, find a new world across a wide ocean. This way became my journey, this day brings together, far and away…”

— Enya, Far and Away

Subscribe to my Newsletter

Would you like to get the occasional newsletter right to your email?